16‏/1‏/2014

حروب الصيد الهمجي تهدّد بانقراض وشيك لـ ”الأيل البربري” بالجزائر

جيوش الصيد أكثر عدة وذخيرة من آليات الحماية
العشرية الأمنية كانت أكثر حماية وأحسن فترة لتزايد القطعان
تواجه ما تبقى من رؤوس قليلة لحيوان ”الأيل البربري” بموطنها بالجبال الغابية في ولاية الطارف خطر الانقراض المؤكد، ما لم تتعزز لها الحماية والردع القانوني الصارم ضد عمليات الصيد الإبادية التي تديرها جيوش من الصيادين، تقودها شخصيات مسؤولة بمؤسسات الدولة ومقاولين ومنتخبين وحتى حقوقيون وأمنيون في التقاعد.

 تفيد الإحصائيات التقديرية لمصالح محافظة الغابات بأن ما تبقى من رؤوس هذا الحيوان لا يزيد عن 300 رأس، تحمي نفسها بالأدغال الغابية بمنطقة جبال بني صالح، وهي جزء من الحظيرة الغابية المشتركة مع ولايتي ڤالمة وسوق أهراس، كموطن لهذا الحيوان بعد انقراضه من باقي المناطق الغابية الجبلية بولاية الطارف، بسبب الصيد العشوائي وحرائق الغابات وهجرته إلى الجبال الآمنة بالضفة التونسية المجاورة. 
ويجمع سكان جوار المساحات الغابية بأنه ما إن يظهر أي رأس أو العثور على آثار تواجده يتجند لملاحقته قناصة من الصيادين، مع تجنيد جيش من مساعديهم وقطيع من الكلاب لتمشيط المنطقة، لتنتهي العملية في آخر المطاف بالقضاء المحتوم على هذا الحيوان ولو دخل تحت الأرض. 
ويمتاز الأيل البربري ذو الأصل المحلي، حسب تصنيفه وتعريف طقوسه وحياته البرية، بأنه بني اللون منقّط ببقع صغيرة بيضاء وسوداء، متوسط القامة شامخ الهامة، ويفضل الغابات الشامخة وأدغالها الرطبة المحيطة بالوديان الجارية والينابيع الجبلية، وما يتوسطها من سهول جبلية صغيرة، ليقضي بعض الوقت للاستمتاع بأشعة الشمس، ويتعايش في مراعيه بالبراري والمروج وسط الغابات مع قطعان البقر، ويستقر في الفصول الممطرة في محيط غابي لا يتجاوز قطره 50 كلم عكس موسم الحرارة، حيث تجف المصادر المائية في قطر للتنقل إلى أكثر من 100 كلم بحثا عن الماء والرطوبة الجبلية، وفي وقت التزاوج يُسمع له مواؤه، خاصة وأنه يفضل في هذه الحالة الدورية صعود القمم الصخرية والتلال الجبلية، وهذا ما يجلب له انتباه ”أعدائه” من الصيادين الذين لا يرحمون حتى عجوله الصغيرة في مرحلة الرضاعة.

جماعات الصيد أقوى من آلية الحماية 
أقر عنصر مسؤول في سلك أعوان محافظة الغابات بأن جماعات الصيد المنتشرة بجميع البلديات، دون استثناء، أقوى قوة بشرية وأكثر عدة من الآليات التقليدية للحماية ومراقبة المساحات الغابية موطن الأيل البربري، خاصة وأن ”جيش” الصيادين، كما يتمسك محدثنا بوصفهم، يستغل المسالك الغابية ليستعمل ترسانة من السيارات الرباعية الدفع مدججة بأسلحة الصيد والذخيرة النارية والكلاب المدربة، حيث يلتقون في المكان المحدد مسبقا مع ”جيش” من الشباب البطال ورعاة البقر يتولون تمشيط المنطقة ومحاصرة الحيوان وتوجيهه إلى منفذ وجود القناصة. ويوضح محدثنا بأن مواعيد ومواقع الملاحقة والصيد تبرمج حسب معطيات ميدانية لتواجد هذا الحيوان، بوجود فضلاته الجديدة أو آثار أقدامه مع تحديد الينابيع المائية الجبلية أو المواقع الغابية الرطبة التي يقصدها، وبناء على ذلك تسارع عناصر جماعات الصيد للمّ شتاتها بأقصى سرعة ممكنة نحو ”حربها الإبادية”، مستغلة في الوقت نفسه ضعف الرقابة وسط رجال الغابات وقلة إمكانياتهم، التي تتيح على الأقل التكافؤ في العدة والعتاد والسرعة في التحرك، والجهل ببداية العملية ووجهتها مع انعدام أبراج تمكّن بمسح المساحات الغابية عن بعد.

الذخيرة المهرّبة من تونس لتموين عمليات الصيد 
تتواجد الجبال الغابية، موطن الأيل البربري، على الشريط الحدودي، وهي المنطقة الحافلة بنشاط التهريب، وفي مقدمتها ذخيرة الصيد بما فيها البنادق والمسدسات، كما تكشفه المعالجة الأمنية سنويا بمحجوزاتها لهذه الذخيرة محل الطلب المتزايد لانعدامها في الأسواق المحلية، بفعل حظر نشاطها التجاري منذ 18 سنة لأسباب أمنية فرضتها العشرية الإرهابية. ومن طبيعة نشاط تهريب الذخيرة أن تقسم إلى ثلاث جهات: جزء منها لفائدة سكان أرياف الشريط الحدودي، والثاني لفائدة فئة المقاولين وموظفين وإطارات بمؤسسات الدولة والأعمال الحرة ممن يمارسون هواية الصيد ويقودونها، والجزء الثالث يسوّق إلى خارج حدود الولاية. وخارج عمليات الصيد تستغل هذه الذخيرة في الحفلات والأعراس المحلية التي يكون فيها دوي البارود من أساسيات الأفراح المحلية، التي لا يستغنى عنها حسب التقاليد التي يحافظ عليها سكان المنطقة. 

مكونات الطبيعة أفضل حماية بجبال حمام بني صالح 
تتربّع محمية جبال بني صالح على مساحة 80 ألف هكتار، وهي جزء من الحظيرة المشتركة مع ولايتي ڤالمة وسوق أهراس، والتي أضحت خارج الحماية بعد التقسيم الإداري لسنة 1985 لغياب جهاز للحماية مشترك بين الولايات الثلاث. غير أن الطبيعة الجبلية الغابية وتضاريسها الوعرة بجبال حمام بني صالح وفّرت الحماية لما تبقى من القطعان التي وجدت أدغال الغابات المكان الآمن من شر البشر، خاصة وأن أشعة الشمس لا تلامس الأرض بفضل تكاثف وتشابك النباتات الغابية العالية، وانعدام المسالك الغابية وتطويق المنطقة بالمنحدرات الوعرة ومهاوي الوديان والسلاسل الصخرية التي تقطع منافذ الاتجاهات، وهذا عكس بقية المواقع الجبلية الغابية الأخرى ومنها بالخصوص جبل الدير ببلدية عين الكرمة، وجبل الغرة ببلدية بوقوس وجبال خراطة بالزيتونة وجبال بوعباد بالشافية وجزء من جبال هوارة بشيحاني، وجبال أم علي ببلدية الطارف وجبال العيون وأم الطبول، وكل هذه المناطق كانت تعمّرها قطعان الأيل البربري ولكنها انقرضت، ولم يبق منها سوى ما لا يفوق 50 رأسا بقيت منفردة وتائهة وسط الغابات بفعل العوامل التي سهّلت الصيد الجهنمي، ومنها كثرة المسالك الغابية المهيأة وشبكة الطرقات المزفتة بمحيطها اللصيق وأروقة الأحراش الغابية التي تقسم الفضاء الغابي إلى مساحات مربعة، فضلا عن الحرائق الصيفية التي دفعت أكثر القطعان للجوء إلى جبال الضفة التونسية الأكثر حماية وآمانا، ومحاصرة مواقع لجوئها المؤقت بالسياج تمنعها من العودة إلى موطنها شتاء بجبال الضفة الجزائرية. 

العشرية الإرهابية كانت أحسن فترة للتكاثر
أفادت دراسة إحصائية لمصالح الغابات عن تكاثر هذا الحيوان بموطنه في ولاية الطارف بأن أحسن فترة سجل فيها تزايد رؤوس القطعان كانت خلال العشرية الإرهابية، وخاصة بجبال حمام بني صالح وجبال بوعباد بالشافية وجزء من جبال هوارة ببلدية شيحاني، التي كانت تستوطنها الجماعات الإرهابية وتحركاتها باتجاه ولايتي سوق أهراس وڤالمة، يضاف إليها حملة نزع مختلف الأسلحة من السكان ومنع المتاجرة بالذخيرة النارية، وفي باقي جبال إقليم الولاية سجلت الدراسة ذاتها تراجع القطعان واختفاء الكثير منها. 
وأرجعت السبب إلى تكالب جماعات الصيد على هذه المواقع التي كانت آمنة ولم تطلها الجماعات الإرهابية، وفي عديد الشهادات التي استقيناها من سكان أرياف محيط المنطقة تطابقت مع ما كشف عليه أعوان محافظة الغابات، فإن جماعات الصيد يديرها منتخبون محليون وأمناء عامون للبلديات ورجال أمن في التقاعد وأعوان في الحرس البلدي ومقاولون وحقوقيون ورجال أعمال حرة كانوا النواة الأساسية لأي عملية صيد تغوص بأدغال الجبال ومطاردة القطعان، كما هو شأنهم في صيد الطيور القارة والمهاجرة ببحيرات الطارف ومناطقها الرطبة. 
واستُفيد من عناصر تائبة ومستفيدة من قانوني الوئام المدني والمصالحة الوطنية بأنها كانت تتواجد بجبال بني صالح وبوعباد وهوارة، وكانت تتحاشي في توفير غذائها صيد الأيل البربري، بفعل تواجد بديل لذلك بلحوم البقر التي ترعى في الجبال الغابية. 
وأكدت دراسات أمنية وشهادات مربي البقر بمحيط هذه الجبال بأن قطعان البقر كانت مصدر غذاء الجماعات الإرهابية، بما يؤكد بأن مصائب العشرية الإرهابية عادت بالفائدة على حماية قطعان الأيل البربري.
 وفي اتصال بمحافظ الغابات بولاية الطارف، محمد طيار، كشف بأن المديرية العامة للغابات أنجزت دراسة تقنية لتأهيل وتجهيز حظيرة جبال حمام بني صالح على مساحتها السابقة 50 ألف هكتار، المشتركة بين الولايات الثلاث المجاورة ”الطارف وڤالمة وسوق أهراس”، وإعادة تشجيرها بالنباتات الغابية وأشجار الثمار البرية مصدر تغذية القطعان مع آليات للحماية الصارمة والمحافظة على المحيط الغابي لهذه الحظيرة، دون شق المسالك الغابية والطرقات، لجعلها محمية طبيعية تدعم بالمراقبة اليومية. 

تقنين الصيد تحت ذريعة إبادة الخنازير 
الحصار الذي فرضته بداية من السنة الماضية وحدات الجيش على الرواق الحدودي وتكثيف الدوريات الأمنية للفرق المتنقلة للدرك والأمن ونقاطها الأمنية الثابتة والمتنقلة عبر شبكات المسالك والطرق الحدودية، إلى جانب الطلعات الجوية للطائرات العمومية، فرضت تراجعا كبيرا على نشاط جماعات الصيد وتفكيك الكثير منها إراديا، غير أن رواد الصيد لجأوا إلى حيلة تقنين نشاطهم، فدفعوا بعض سكان الأرياف الجبلية، وخاصة الشباب العاطل عن العمل، لتأسيس جمعيات لإبادة قطعان الخنازير والكلاب الضالة، تحت ذريعة حماية محاصيلهم الفلاحية وحماية أحيائهم السكنية من الكلاب المتشردة، لتبرير حملهم لسلاح الصيد وذخيرته النارية، خاصة في تنقلاتهم وتقاطعهم مع المصالح الأمنية.
من جهتها، شجعت السلطات الولائية، وعلى عكس رفضها في السنوات الماضية، اعتماد مثل هذه الجمعيات لمبررات أمنية، وشرطها نقل جثث الكلاب والخنازير لتموين مخزن اللحوم لحظيرة الحيوانات المتوحشة بالبرابطية بالقالة، التي تعاني من نقص اللحوم لأكثر من 120 رأس من الحيوانات آكلة اللحوم بمقدار 300 كلغ في اليوم. 

رجال الغابات يدقّون ناقوس خطر الانقراض 
خارج رسميات محافظة الغابات، فإن أعوانها يشتكون ”اليد قصيرة والعين بصيرة”، في ظل ما تتوفر لديهم من إمكانيات ضعيفة وآليات أضعف لحماية هذا الحيوان الرمز، الذي كانت تضم قطعانه أكثر من 6000 رأس بداية سنوات الاستقلال، وكان يتواجد حتى في المناطق الغابية الشمالية المتاخمة للشواطي البحرية، ويتمتع وقتها بحماية أفضل بحكم القوانين الردعية الصارمة والمكانة المهيبة لرجل الغابات وفعالية تجاوب عملياته مع بقية المصالح الأمنية. 
وحسب انطباع أعوان محافظة الغابات، فإن استمرار غياب الحماية بهذا الشكل الضعيف سيؤدي إلى انقراض هذا الحيوان الرمز للمنطقة في غضون السنوات العشر المقبلة على أبعد تقدير، لكون الرؤوس التي تحمي نفسها بنفسها في منطقة جبال بني صالح مضطرة في فصل الحر إلى التنقل خارج منطقتها بحثا عن مصدر المياه والرطوبة فتقع بين مخالب الصيادين. وحسبهم، لا توجد أي آلية لحماية الأيل البربري بما يتطلب وفق خبراتهم خلق حظائر محمية بالسياج وسط الفضاءات الغابية يحظر دخولها، وتعزيز قوانين وتشريعات الردع وتمكين جهاز محافظة الغابات بالإمكانيات الضرورية وخلق أبراج ومحطات مستقرة بالمواقع الجبلية كما كان معمولا به في الحقبة الاستعمارية، وتواصل بها العمل لفترة قصيرة بعد الاستقلال. 

هيئات المجموعة الأوروبية تسحب دعمها وبرامجها
قبل عشرية من الزمن كانت الحظيرة الوطنية بالقالة تحظى بعناية ومساعدة هيئات المجموعة الأوروبية المعنية بالمحميات الطبيعية العالمية، وفي مقدمة اهتماماتها حماية حيوان الأيل البربري من فصيلة السلالة المحلية المهدد بالانقراض، غير أن الهيئات الأوروبية ذاتها سجلت مآخذ على السلطات المحلية، بتخليها عن حماية هذا الحيوان بالوسط الطبيعي لحظيرة القالة التي تتربع على 80 ألف هكتار وعدم التزامها بتنظيم تجهيزها وتسييرها، كما لاحظت غياب ظهور قطعان الأيل البربري بهذه المحمية العالمية، ولم تقتنع بمبررات السلطات المحلية فلجأت إلى توقيف برامجها ومساعداتها، لكون هذا الحيوان من أهم القطعان البرية التي تحظى بالحماية العالمية ضمن برامج المجموعة الأوروبية.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق