13‏/2‏/2012

مافيا الصيد والطبيعة تهدّد غــــزال تمنراست بالانقراض

الجـــزائر تواصـــل جهودهـــا لحفـــظ التنـــوع البيولوجـــي في الأهقار والطاسيلـــي
تشهد عاصمة الأهقار تمنراست رغم الجهود التي تبذلها الدولة تكالب شبكات مافيا منتظمة تهدّد الإرث الثقافي والتنوع البيئي والبيولوجي للمنطقة من خلال قراصنة تخصصوا في صيد الحيوانات النادرة كالغزال والأروية المهدّدة بالانقراض والصقور والحبار وأنواع أخرى من الطيور الثمينة والنادرة، كما فضل بعضهم استهداف الثـروة النباتية لتصبح أكبر حظيرة مصنفة عالمياً بما تخفيه في أحشائها من ثروات طبيعية ومعالم أثرية تحت تهديد مزدوج يشمل الأول تهريب الآثار ويمس الثاني التنوع الطبيعي.
أنهت الجزائر المرحلة الأولى من مشروع الحفظ والاستعمال الدائم للتنوع البيولوجي في حظيرتي الأهقار والتاسيلي، والتي قدم فيها صندوق الأمم المتحدة لدعم التنمية مساهمة قدرت بـ372 مليون دولار تضاف إلى حوالي 100 مليون دينار تصرفها الجزائر سنويا على حظيرتي الأهقار والطاسيلي بتنظيم أيام تحسيسية بتمنراست، أتيحت فيها الفرصة لـ''الأحداث'' للإطلاع عن قرب وميدانيا على بعض الأخطار التي تهدّد التنوع الطبيعي والبيولوجي بالمنطقة، ولعلّ من أبرزها ظاهرة صيد الغزال الذي أصبح مهدّدا بالانقراض.

الحظيرة الوطنية بالأهقار كنوز طبيعية وثقافية نادرة
تجمع الحظيرة الوطنية بالأهقار بين التحف الطبيعية والتنوع النباتي والحيواني، وبين الإرث الحضاري الثقافي والإنساني، إذ تزخر بالكثير من الشواهد الطبيعية الحيّة التي لا زالت تعبّر على مدى آلاف السنين عن أسرار الوجود الإنساني والحيواني والنباتي بهذه المنطقة من الجنوب الكبير، والتي يعود البعض منها إلى آلاف السنين. هذا وتصنف الحظيرة الوطنية بالأهقار بتمنراست كأكبر المتاحف المفتوحة على الطبيعة في العالم، والممتدة على مساحة تقدر بنحو 500 ألف كلم مربع تصل إلى منطقة التيدكلت، والمصنفة كقطب سياحي ذي أهمية وطنية ودولية بالنظر إلى ما يحتويه من كنوز وشواهد تحمل الكثير من خصوصيات منطقة الأهقار التي تتميز بتنوع تضاريسها ومناخها المعتدل، بينما يكون جافا وشبه حار بمنطقة التيدكلت الصحراوية.
ومن الخصائص الطبيعية الفريدة من نوعها للحظيرة الوطنية الجزائرية بالأهقار سلسلة الجبال الشاهقة التي صقلتها الرياح المحملة بالرمال والممتدة في أشكال غريبة تشدّ نظر الإنسان، كما تحتوي صخورها على بقايا حيوانية ونباتية تدل دلالة واضحة على وجود الحياة بهذه المنطقة منذ العصور الجيولوجية القديمة. وتتواجد بهذا الفضاء الطبيعي بقايا غابات تدل عليها تلك الأشجار الضخمة المتحجرة بفعل العوامل المناخية، والتي توحي اليوم بمفارقة غريبة إلى تواجد غابة استوائية وسط صحراء قاحلة، فضلا عن انتشار أكثر من 350 نوعا من النباتات، حيث يمثل هذا الغطاء النباتي مساحة رعوية كانت تقتات منها الحيوانات البرية والأليفة ولا زال العديد من انواع هذه النباتات يستعمل اليوم لدواعي العلاج والصناعات التقليدية وبناء المساكن بالأهقار.

كما تحتوي الحظيرة أيضا على الكثير من المواقع الجيولوجية والمناجم والأثريات وبقايا المقابر التي تعود إلى ما قبل ظهور الإسلام والكثير من النقوش المختلفة والرسومات الصخرية التي لا زالت تروي إلى اليوم ماضي وأسرار المنطقة. وللإشارة، فقد تم مؤخرا اكتشاف أنثى الفهد بالجهة، وهو الاكتشاف الذي لا زال محل دراسات عالمية. وبالنظر إلى الأهمية التي تكتسيها المنطقة، فقد أنشأ الديوان الوطني الجزائري لحظيرة الأهقار سنة 1987 بموجب مرسوم رئاسي وهو جهاز ذو طابع اداري وثقافي اسندت له من خلال مديرياته الثلاث في كل من تمنراست وعين صالح وادلس، مهمة حماية وترقية هذا الإرث الحضاري بالمنطقة.

ثروة نباتية وحيوانية نادرة
تتميز الثروة النباتية بولاية تمنراست بالتنوع، فهي تضم أزيد من 300 صنف نباتي من أصول مدارية متوسطية وصحراوية من بينها: نبات الطلح وهو عبارة عن شجرة معمرة يحمل أزهاراً صفراء زاهية وثماراً قرنية يصل طولها إلى 15 سم، تحمل بداخلها عدة بذور تشبه إلى حد ما بذور الفاصولية لكن لونها بني وتسمى البذور بالقرضي، كما أن جذع النبات يفرز مادة صمغية ويستخدم السنطاو الطلح في الطب الحديث، وإذا أخذت بكميات ضئيلة عن طريق الفم كانت منشطة وملطفة للأمعاء، كما أن مغلي مسحوق البذور كمشروب له القدرة على تطهير المعدة والأمعاء وقتل وطرد الديدان وإزالة التهابات البواسير وعلاج حالات الحمى والنزلات الصدرية والإسهال.
وإضافة إلى الشيح الذي يعدّ نباتا عشبيا بريا، فلأوراقه رائحة عطرية قوية وطيبة، يستعمل في الطب، ترعاه الماشية كما أن مذاقه مر، وله فوائد كثيرة، ويستعمل في الطب الشعبي النبات كاملاً ما عدا جذوره، والمواد الفعالة في الشيح زيته ومادة السانتونين المتوفرة فيه والتي تعمل على طرد الديدان من المعدة، كما أنه مضاد للسعال الحاد ويقطع البلغم ويعالج المغص، ويطرد الغازات من البطن، ويستخدم الشيح كبخور حيث يحرق في المنازل لتطهيرها من الروائــــح الكريهــــة وللقضــاء على فيروس الانفلونزا ولطرد الحشرات.

أما الأنواع الحيوانية فتتمثل في الغزال، الفهد، الأروية، الضب، بالإضافة إلى الأسماك منها: باربوكس، تملابيا وسيلور. وبالمقابل، تنتشر العديد من أصناف الحيوانات والزواحف البرية جنوب الجزائر والتي تتغذى من الأعشاب والنباتات، ويمكن لزائر المناطق الجنوبية أن يتمتع برؤية الأفناك واللواحم الصحراوية (آكلات اللحوم)، إضافة إلى الأرانب والعقارب وغيرها.

منبع تهابورت بين الطبيعة والأسطورة
يعد الموقع الطبيعي المعروف بمنبع تهابورت المتواجد على مسافة 8 كلم جنوب شرق عاصمة الأهقار من أبرز المناطق السياحية التي يقصدها الزوار من كل جهة نظرا لمياهها الطبيعية الغازية الغنية حسب بعض الخبراء بالمكونات المعدنية، كما أنه يأخذ طابعا مقدسا تمتزج فيه مؤثراته الطبيعية بالأساطير المنسوجة حوله لدرجة أن البعض يزعم أنه من شرب منه سيعود إليه حتما.
ويرتقب أن تتم تهيئة هذا الموقع السياحي بعد استكمال الدراسات التقنية الخاصة بالمنبع

وادي افيلال الحياة الخارجة من تحت الصخر
ينبع وادي افيلال من منبع في جبال تيزويا قرب الاسكريم ويرجع البعض تسميته افلال إلى نبات الدفلة أو ''التفلة ''الذي ينمو بكثرة على ضفافه، بينما تعني كلمة تافيلالت في بعض اللهجات الأمازيغية الجرة، وأفيلال هو الزير الذي يسع عدة جرات، ويعتقد أن التسمية مرتبطة بعنصر الماء. ويضم وادي افلال الذي تسيل مياهه على مدار السنة، ثروة نباتية مهمة يغلب عليها نبات الدفلة الذي له فوائد بيئية وطبية جمة يستخرج من جذور النبات زيت يفيد في علاج أمراض الجلد وخاصة مرض القشرة الصدفية.

ويستعمل مغلى الأوراق نقطاً للأنف وغرغرة لتقوية الأسنان واللثة، كما يستخدم مستخلص الأوراق في علاج بعض أمراض القلب وتقوية عضلاته وتنظيم ضرباته. والدفلة نبات شجري معمر دائم الخضرة يصل ارتفاعه إلى عدة أمتار وله أوراق جلدية سميكة رمحية الشكل لونها أخضر قاتم من السطح العلوي وأخضر فاتح قليلاً من السطح السفلي جعل الوادي يبدو كجنة خضراء متوجة وسط بيئة صخرية محاطة بالحجارة البركانية وبالجبال الصخرية المنحوتة في أشكال غريبة بعوامل طبيعة. وتتواجد بالوادي عدة أنواع نباتية كالسمار، وخلال جولتنا بالوادي لاحظنا وجود آثار عدة حيوانات كالزواحف مثل الضب والورن والأفاعي، إضافة الى الغزال، والارانب، بالإضافة إلى بعض الأنواع من الاسماك وبعض الطيور كالحجل.


صيد متواصل لغزلان وادي افيلال


خلال جولة ''الأحداث'' بوادي افيلال، وقفت على حجم المأساة، فقد عثرنا على بعد امتار من الضفة اليسرى للوادي على جلد يعود لغزال تم صيده وسلخه ولا تزال آثار الذبح بادية على المكان، وقد تمكنا من التقاط صور لهذه الجريمة المقترفة في حق الطبيعة.


وأشار (ك .ت) أحد سكان المنطقة إلى أن الغزلان كانت إلى وقت قريب تجول وتصول بالوادي، إلا أنها اختفت عن الأنظار ما يشير الى تناقص عددها أو ربما اختفائها سواء بهجرتها الى أماكن أخرى أو بسبب انقراضها.


الغزال قد يتحوّل الى مجرد نقش على حجر


يقصد ولاية تمنراست إضافة الى السياح قراصنة مختصون في صيد الحيوانات النادرة كالغزال والأروي المهددة بالانقراض، إضافة إلى الصقور والحبار وأنواع أخرى من الطيور الثمينة والنادرة. ويتجه الصيادون إلى أماكن تجتمع بها قطعان الغزال، فيطلقون عليهم النار دون أن يميزوا بين الغزال الحامل أو المرضعة أو حتى التي تحتضن ابنها الصغير، في حين حرم الشرع الإسلامي صيد هذه الحالات من الحيوانات سيما الأليفة منها بالإضافة إلى أنهم يصطادون في كل فصول السنة، فبعد إطلاق النار على قطعان الغزال يتم ذبحها وسلخها وبعدها الاستفادة منها.

وللإشارة، تسفر رحلة الصيد الواحدة التي يهدف أطرافها إلى الاستجمام والتمتع بلحم الغزال فقط عن صيد من 6 إلى 8 غزلان في الرحلة الواحدة، أما حصيلة الراغبين في المتاجرة فترتفع من 40 إلى 50 غزالا للرحلة الواحدة. وقد أشار (م .ب) الذي يعمل كسائق لسيارة رباعية الدفع يستغلها في نقل السياح الجزائريين والأجانب مقابل دراهم معدودة يعيل بها عائلته، إلى وجود مختصين في الصيد يعرفون دروب المنطقة ويعملون في الخفاء وبطريقة سرية على اصطياد الغزال وبيع لحمه بعد صيده، وفي بعض الأحيان يباع لحمه إما مباشرة بعد ذبحه حيث يقدر الكيلوغرام الواحد بين 750 دج إلى 800 دج، وفي اغلب الأحيان ''ييبس ''ويباع. وقال المتحدث في تصريح لـ«الاحداث» إنه يستبعد أن يكون الصيادون من السياح الأجانب بحكم عدم معرفتهم بالمنطقة، إضافة الى خضوعهم لرقابة الجهات الأمنية، مبرزا أن صيد الغزال يتم من قبل شبكات محلية مختصة تتولى الصيد والبيع وحتى التهريب.


وذكر (ا .م) أن لحم الغزال يكثر عليه الطلب بالمنطقة ويباع بطرق سرية من قبل أناس اتخذوا من هذه الحرفة وسيلة للكسب السريع على حساب ثروة حيوانية مهدّدة بالانقراض.


التشريعات القانونية تتصدى للمعتدين على الموارد الثقافية والطبيعية


حدد المرسوم الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ نوفمبر سنة 1987 جملة من الاجراءات لحماية حظيرة الأهقار حيث جاء في المادة 2: ''يسمـح بمزاولة النشاط الرعوي والحرفي التقليدي الريفي في حدود حظيـرة الاهقار الوطنية بشـرط احترام الأوامر التي تصـدرها عند الحاجة السلطـة المسيرة للحظيرة بقصـد حماية المناطق والسلالات شديدة الحساسية فيها''، بينما حددت المادة 6 شروط الدخول الى الحظيرة ونصت على: ''يجـب أن يتم الدخول إلى حدود حظيرة الأهقار الوطنية كما هي محددة في المرسوم رقم 87 ـ 231 المؤرخ في 11 ربيـع الأول عـام 1408 المــوافق لـ3 نوفمبر سنة 1987 المذكور أعلاه، إجباريـا عن طريق مراكز الرقابة المقامة في:


- تامنغسـت - ان صـالح -والان - ايـدلــس - مرتوتــك- ثنزواتـن -ان عزاوة - تن ميساو - ان قـزام - تيمياوين - تــازروك


وتخول السلطة المسيرة للحظيرة في إطار تنفيــذ مخطــط التهيئـة العام المنصوص عليه في المادة 3 أعلاه، إنشاء مداخل أخرى للحظيرة، ويجب أن يكـون الخـروج من حظيـرة الاهقار الوطنية إجباريا عـن طريـق المراكز المذكورة في الفقرة الأولى من هذه المادة''.


وجاء في المــــادة 14:


يجب على الوكالات أن تتزود بجميـع التموينات اللازمـة لزبائنها ولاسيما ماء الشرب والوقود والمواد الضرورية الأخرى للإقامة التـي تنظمها داخل الحظيرة. ولا يلجأ بحال من الأحوال إلى الموارد الطبيعية الموجودة في الحظيرة.


وحددت المادة 21 شروط البحث العلمي المتعلق بالآثار والحيوان والنبات وجاء فيها:


''يجرى كل بحث علمي في ميادين الآثار والحيوان والنبات وفقا للأحكام التنظيمية الجاري بها العمل، ولاسيمـا أحكام القـرار المؤرخ في 17 ماي سنة 1980 المذكور أعلاه، ويترتب عليه إبرام اتفاقية مع السلطة المسيرة للحظيـرة''.


وتضمنت المـــادة 26 ما يلي:


يعـد مخـالفات للتشريع الخاص بحماية البيئة والتشريع الخـاص بالنظـام العام للغابات وقانون المياه:


-كل تدمير لأحافير متحجرة او اقتطاع منها
كل تدمير، أو اقتلاع أو تشـويه،أو قطـع أو اجتـثـاث لنبـاتـات غيـر مزروعة، أو شجرة أو جنية.
-كل قبض على حيوانـات غير أهـلية حيـة أو متأقلمة بأي وسيلـة كـانت وكذلك نقلها والتجول بها، وعرضها للبيع أو للشراء.
- كل صيد بسلاح ناري أو بغيره.
- كل تلويث للمياه (ينابيع، أحواض طبيعية، آبار...
يعاقب على هذه المخالفات وفقا لأحكام القوانين رقم 82 ـ 10 المؤرخ في 21 أوت سنة 1982 ورقم 83 ـ 03 المؤرخ في 5 فيفري سنة ,1983 ورقــم 83 ـ 17 المؤرخ في 16 جويلية سنة .1983

اما بخصوص للصيد نص قانون الصادر في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية العدد رقم 47 أمر رقم 06-05 مؤرخ في 10 جمادى الثاني عام 1427 الموافق لـ 15 جويلية سنة 2006 وعلى حماية بعض الأنواع الحيوانية المهددة بالانقراض والمحافظة عليها، ومنها غزال الصحراء، الفنك، الفهد، قط الرمال، إضافة إلى عدد من الطيور.


السعيد تريعة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق