كانت ظلاله تتحرك ببطء من بين الصخور الوعرة فهو صياد ماهر يقضي معظم وقته باحثا عن طرائده اما عيناه الرماديتان تراقب بشدة وحذر فريسته يتربص بهدوء وسكون واذناه منتصبتان واطرافه مثبتة وراء جسمه حتى كاد ان يفترش الارض منبطحا ساكنا وكأنه تمثال قد شكل من شمع.
في دقائق تحول المشهد الى حيوان طائر ينقض بمخالبه وانيابه على حبارى طائرة من على ارتفاع ثلاثة امتار وبضربة خاطفة من كفه تتحول الى وجبة غذاء ويسقط على الارض وهو يدب على قوائمه الاربع بكل رشاقة دون ان يصاب بأذى.
في شبه الجزيرة العربية يطلق عليه الوشق او الغريري او عناق الارض او النسناس المعرق او الدلق او التفه او التميله وفي الشام العنجل اما في السودان فيعرف باسم ام الريشات هو احد اربع انوع من القطط البرية التي تنتمي الى العائلة السنورية (آكلة اللحوم) وتستوطن مناطق صحراوية او شبه صحراوية في افريقيا وغرب اسيا ومن ضمنها الجزيرة العربية.
ونظرا لخفة وزنه وسرعة حركته وتناسق جسمه حيكت حوله الكثير من الحكايات والاساطير كونه يشبه النمر وان كان اصغر حجما فبعض القبائل العربية ترى انه مسكون بالجن اذ اعتقدوا انه لا يموت او يقتل الا عندما توجه اليه رصاصة في جبهته وقيل ان بعض الامراء في الهند استأنسوه وتم تدريبه لاصطياد الغزلان والارانب والطاووس كما ان قدماء المصريين عاملوه معاملة خاصة وصنعوا له التماثيل.
الوشق حيوان حذر ليلي النشاط يعيش في المناطق الوعرة التي تؤمن له المخابيء التي يستطيع الاختباء والتمويه فيها وان لم يجد كهوفا يحفر جحوره تحت سطح لارض بهندسة غريبة تكاد ان تكون مريبة من حيث عدد الانفاق والغرف الكثيرة التي يخصص منها غرفا للنوم واخرى للولادة ويفرش جحوره بالاوراق والنباتات الجافة التي يحرص على تنظيفها وتهويتها.
وحول حياة الوشق يقول الباحث العلمي في ادارة الزراعة في المناطق القاحلة بمعهد الكويت للابحاث العلمية عبدالله الحداد ان هذا الحيوان اشرف على الانقراض في منطقة الجزيرة العربية ومنها الكويت.
واضاف في لقاء مع وكالة الانباء الكويتية (كونا) انه تم اطلاق مجموعة من الوشق في ديسمبر 2004 في محمية صباح الاحمد وهي المحمية التي تقدر مساحتها ب320 كيلومتر مربع في شمال شرق الكويت على طريق الصبية وتتميز بتضاريسها المتنوعة التي تضم التلال والسهول والمنخفضات والمسطحات الطينية والشواطئ بطول 16 كيلو مترا وتنقسم الى خمسة مناطق هي تلال جال الزور ومنخفض وادي أم الرمم ومنطقة شجرة طلحة والمنحدر الخلفي والسهل الساحلي
وقال الحداد ان الوشق يتميز بالرأس المنبسط تعلوه اذنان طويلتان يقوم بتحريكهما بحسب الحالة النفسية وهو هاديء بطبعه لا يصدر اصواتا عالية ويميل الى العزلة ويكشف وجوده بقايا طرائد وآثار قوائمه.
وذكر ان طوله يتراوح ما بين 70 الى 120 سنتيمترا في حين ان ارتفاعه عند الكتفين يبلغ 60 سنتيمترا ويصل طول ذيله الى 30 سنتيمترا ووزن الذكر غالبا اكثر من وزن الانثى وفراءه رمادي ضارب الى الحمرة واحيانا يأخذ اللون الاصفر الترابي.
وافاد ان الوشق يحرص على تحديد منطقة النفوذ الخاصة به عن طريق التبول وقد تصل الى 10 كيلومترات مربعة مضيفا انه يتميز بالسرعة الفائقة في تسلق الاشجار والصخور الوعرة وقلما يشاهد اثناء النهار.
واضاف ان الانثى تتولى تحضير المكان الخاص للولادة بين ممرات الصخور او في تجاويف بعض الاشجار وغالبا ما يكون موسم التزاوج في شهري فبراير ومارس وتلد الانثى من واحد الى ثلاث بعد حمل مدته 80 يوما وترضع صغارها مدة ستة اشهر وفي العادة تلد الانثى مرة واحدة في السنة واحيانا مرتين.
وحول طبيعة غذاءه قال انه يتغذى على القوارض والارانب والزواحف والطيور ومن المعروف انه انتقائي في اكله اذ انه لا يقرب من الاعضاء الداخلية لفريسته ويتفادى اكل الشعر او الريش فهو يقوم بانتزاع اللحم عن الجلد بدقة.
واضاف ان الدراسات اثبتت امكانية استئناس صغار الوشق بسهولة اذا تم اصطيادها ووضعها في الأسر وتربيتها ومنها ما يشاهده الجمهور في المركز العلمي التابع لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي حيث يربى لفترة معينة ويطلق بعدها في المحميات.
الوشق يكاد يختفي من البيئة الصحراوية الكويتية بسبب عبثية بعض هواة الصيد بالبنادق لولا بعض الجهود الرسمية والتطوعية ممثلة بالمركز العلمي ومركز العمل التطوعي وغيرها من الجهات المسؤولة عن البيئة وهذه الجهود تتطلب دعم الجميع لحفظ هذا القط الجميل والحياة الفطرية بشكل عام.(النهاية) م ف / ن ا
/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق